الشيخ الصغير يفند مزاعم القنيعير حول الواصلة!
رد الشيخ الدكتور فالح بن محمد الصغير أستاذ السنة النبوية وعلومها بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية والمشرف العام على شبكة السنة وعلومها على مزاعم الدكتورة حسناء القنيعير حول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لعن الواصلة والمستوصلة وطالب الشيخ الصغير الدكتورة بصفتها أكاديمية وباحثة أن تتحرى الحق، ولا تتطاول على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير علم، وتلتزم بالمنهجية العلمية عند النظر إلى الأحاديث النبوية أو تستشير من هم أعلم بعلوم الحديث.
جاء ذلك في رد الدكتور فالح الصغير على الدكتورة حسناء القنيعير، حول مقال لها عنونته بـ من أجل هذا تطرد المرأة من رحمة الله والذي تحدثت فيه عن حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الواصلة والمستوصلة وقد زعمت الدكتورة حسناء القنيعير أن هذا الحديث موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد فند الشيخ الصغير آراء الكاتبة بعلمية ومنهجية، وطالبها بالتروي عند النظر في الأحاديث، وعدم إحكام العقل بطريقة مطلقة عند تناول المسائل الشرعية.
وقد أرسل الدكتور الصغير رده على الدكتورة القنيعير إلى الجريدة اليومية التي نشرت فيها مقالها، عملا بحق الرد، والذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته، ولكن رفضت الجريدة نشر المقال، ومن هذا الباب كان حريا بموقع آسية أن ينشر هذا الرد.
وقد توقف الشيخ الصغير عدة وقفات عند مقال الدكتورة حسناء القنيعير، وقال: إنني أقف وقفات منهجية علمية عند مقالها، بعيدًا عن الجزئيات أو الألفاظ الساخرة، وما حمله مقالها من اتهامات ولمز للآخرين.
وأضاف الدكتور الصغير قائلًا: إننا نريد الوصول إلى الهدف المنشود وهو سعادة الدارين للرجل والمرأة، وقال: إذا كانت الدكتورة صدرت مقالها بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، ولا يمكن أن يأتي بما يتعارض مع القرآن الكريم فالواجب أن نلتزم بما جاء في كتاب الله وسنة رسول الله، وأن نفتخر بهذين المصدرين، ونتمثل ما جاء فيهما علمًا وفهمًا وسلوكًا حتى في أصغر شؤون حياتنا، وبالطرق المنهجية العلمية الصحيحة، فلا نتجرأ على القول فيهما- كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- بدون علم فنضل ونضل.
ولقد امتلأت المكتبات الإسلامية بمصادر السنة النبوية وشروحها، وهذا من فضل الله، وعليه فإنه لا يعجز طالب علم، فضلًا عن متخصص في السنة النبوية وعلومها أن يصل إلى درجة الحديث التي أشارت إليه الدكتورة، حتى لا تصدر أحكامًا ونتائج، وتتهم فيها أجيالًا سابقة، وأجيالًا لاحقة لا تعمل العقل.
وقال الدكتور الصغير: إن الحديث الذي استشهدت به الدكتورة القنيعير صحيح ومرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فكون المرأة لم تفقه ما قصده ابن مسعود رضي الله عنه لا يلغي كونه مرفوعًا وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله. ألا يعني هذا أنه نقل اللعن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم!! أم نتجرأ بأن نتهمه بأن أضاف اللعن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يكن؟!! حاشا وكلا.
ومع هذا فيمكن أن ترجعي للحديث في مظانه الأصلية وأعظمها بعد كتاب الله تعالى: الصحيحان وستجدينه في صحيح البخاري في أكثر من ثلاثة مواضع: منها برقم (5476) وبرقم (45077) وبرقم (5483) كما هو في صحيح مسلم برقم (3966) كما هو في بقية السنن والمسانيد.
أظن أنه ليس شكًّا من الناحية العلمية الحديثية أنه حديث صحيح مرفوع، ولم يخالف أحد من المحدثين في ذلك من السابقين أو اللاحقين.
ومع هذا فلو سلمنا أنه موقوف على ابن مسعود رضي الله عنه فحكمه حكم الرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فمثله لا يقال بالرأي، لأنه نسب اللعن إلى الله تعالى وما نقله الصحابي فيما لا يقال بالرأي فحكمه حكم الرفع، وهذه القاعدة مقررة عند المحدثين، فضلا عن أنه مرفوع منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وبعد أن عرفت أنه صحيح مرفوع هل ستغيرين النتائج التي بنيت عليها مقالك؟!
العلماء ورثة الأنبياء:
وقال الدكتور الصغير: إن مرجعيتنا الكتاب والسنة، ومن فضل الله تعالى أن المبلغ لهما هو حبيبنا الرسول صلى الله عليه وسلم ونقلهما إلى الصحابة رضوان الله عليهم ثم علماء الأمة من بعدهم فقرر هذا عليه الصلاة والسلام بقوله: «العلماء ورثة الأنبياء» فديننا غال، وقرآننا غال وسنة نبينا غالية، وإذا تبارى الناس في علومهم الدنيوية وحق لهم ذلك؛ فلنا الحق لأن نفتخر ونباري بأن القرآن الكريم والسنة النبوية لهما علماؤهما ومختصوهما نص على ذلك الله تعالى بقوله: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل من الآية 43] وقال: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [الزمر من الآية 9]، والآيات والأحاديث أكثر من أن تحصر في هذا المعنى وما ضل من ضل من أصحاب الغلو والتكفير أو أصحاب الانحراف المقابل إلا بسبب الجهل، أو التعالم بغير علم، أو التطاول على النصوص، دون الرجوع إلى المصادر الحقة، وهم العلماء الراسخون الذين أفنوا حياتهم العلمية لفهم القرآن والسنة. وأقول ليتك رجعت إليهم لتستفيدي حتى لا تقعي في الخطأ مرة أخرى.
ومن باب الإضافة العلمية أو تأكيدها للمحدثين قواعد أشاد بها الأعداء مع إيمان العلماء بها، هذه القواعد للتصحيح والتضعيف والرفع والوقف والتعارض والترجيح والناسخ والمنسوخ وغيره.
وأضاف: كم كنت أود من الدكتورة وفقها الله أن تكلف نفسها قليلًا بالبحث الحديثي أو تستشير أهل الاختصاص قبل أن تكتب فتقع في المحذور، فليس من السهل مصادرة هذه القواعد وتجاهلها وتجاوزها لتعطي ذلك الحكم القاطع بأن الحديث موقوف، ومن ثم تلغي دلالة الحديث.
ولعلها فرصة لي أن أدعوها وغيرها من الكتاب ممن يريد البحث في القضايا الشرعية للتأمل والنظر في المراجع العلمية، بالذات فيما ينسب إلى الحبيب عليه الصلاة والسلام.
وقال: لقد اجتهدت الدكتورة في حصر من لعنهم الله تعالى في القرآن وقارنت ذلك بالحديث المذكور، ووصلت إلى نتيجة رأت أنها قطعية ودعت في نهاية المقال إلى دراسة مقارنة مع القرآن، بعد أن شجبت الدراسات الشرعية بأنها خلت من هذه المقارنات.
وأقول:
أولًا: دراسة المقارنة عمل جيد بل مهم للوصول إلى الفهم السليم، لكن نحتاج إلى تكامل عناصر المقارنة، فهلا علمت مقارنة مع ما ورد من أحاديث اللعن في السنة النبوية كما حصرت الآيات التي ورد فيها اللعن. فإن لم تعملي بقصد أو بدون قصد، فالمنهجية العلمية تحتم عليك ذلك لئلا تكون مقارنتك مبتورة.
وللعلم هناك رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة حصر فيها صاحبها الأستاذ الدكتور باسم الجوابرة جميع أحاديث اللعن، فلعلك أن ترجعي إليها وتكملي الدراسة، لتنضج الفكرة التي أردتيها.
ثانيًا: تعلمنا في الدراسات العلمية أن الوصول إلى نتيجة يتطلب هدوءًا وتكامل عناصر لنصل إلى نتيجة عملية، كيف وأنت تريدين الوصول إلى حكم قطعي بالحل والحرمة، وتفتين بنات جنسك بحكم يخالف ما قالت المصادر العلمية، على مدى أجيال متعاقبة فلم ترجعي لمرجع واحد ولا اعتمدت على أي مصدر علمي، بل لم تستفهمي حتى من المعاصرين، وهل ينال العلم وتصدر الأحكام الشرعية بهذه الطريقة؟ حاشا وكلا.
وأضاف الدكتور الصغير: وأشارت الدكتورة في نهاية المقال إلى قضية منهجية خطيرة قائلة: لقد أدت إشكالية عدم إعمال العقل في بعض الروايات إلى وضع الدين في قالب جامد... إلخ.
وأقول: هذا كلام بغض النظر عما يتضمنه من اتهام خطير للسلف والخلف الذين نقلوا لنا هذا الدين، أقول: ليت الدكتورة دللت على هذا الكلام بأدلة منطقية تخالف ما تحويه مراجعنا العلمية التي نعرفها من إكرام العقل ووضعه في مكانه اللائق به، فما شريعة أعظم من شريعتنا أعملت العقل الإعمال الإيجابي، لكن أن يصل تقديس العقل إلى تقديمه على النصوص فهذا سبب ضلال الطوائف السابقة كالخوارج والمعتزلة ومن نحا نحوهم والقضية مبسوطة في مظانها.
أما منهج المقارنة التي أشارت إليه بقولها: إضافة إلى افتقار الفكر الإسلامي لمنهج مقارن يمحص الأحاديث الموقوفة والضعيفة ومقارنتها بالقرآن الكريم أسألك بالله تعالى وأنت دكتورة هل رجعت إلى أي مكتبة علمية في السنة النبوية؟ أو أقراص الحاسب الآلي في برامجه الحديثية الجديدة، لتصلي إلى هذه النتيجة الخطيرة؛ فطالب العلم بالمستوى الجامعي يعلم عشرات الكتب المختصة في الصحيح والموضوع والجرح والتعديل، وغيرها وأظن هذا يكفي عن التعليق؛ لكن أؤكد لك ولغيرك ممن يخوض في الحديث وعلومه أننا نحن المسلمين لم نفتخر منذ تاريخنا الأول إلى يوم القيامة بمثل ما نفتخر بثبوت السنة النبوية ووضوحها، ونسبتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وعظم الدراسات القديمة والحديثة فيها، مما يتميز به الصحيح والضعيف والموضوع، ونحمد الله تعالى ونشكره على ذلك.
أمانة الكلمة:
دعوة محب من القلب لكل من يكتب عن شيء ينسبه إلى الله تعالى أو إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، بالتمهل والتأني واقتفاء المنهجية العلمية بأدواتها المعلومة أو سؤال أهل العلم عند الإشكال فالكلمة أمانة ومسؤولية، ومثله من يؤيد أو يعارض والإنسان محاسب بلا شك على ما يقول في الدنيا وفي الآخرة. {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}.
ولا يفهم من هذا ما يروق للبعض أن يروجه بما يسمى بحكر الدين أو العلم أو نحو ذلك فهذه أصبحت قضية معلومة وكما يقال: شنشنة معروفة من أخزم، ولكن لكل علم مختصوه.
مرة أخرى محبة ومودة لئن لا نقول على الله ورسوله بغير علم فينطبق علينا قوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وغيرها من الآيات الدالة على هذا المعنى، نتحرى الحق بمنهجيته العلمية، ثم لا مانع أن نختلف إذا كان للخلاف مسوغ، وله أدلته وصدر من أهله.
الكاتب: عبدالرحمن الراجح.
المصدر: موقع الألوكة.